فصل: المقالة الرابعة: أمراض الرأس:

مساءً 2 :59
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في الماء داخل القحف:

إنه قد تجتمع رطوبات مائية داخل القحف وخارجه فإن كان خارج القحف دلّ عليه ما سنذكره عن قريب وان كان داخل القحف- وموضعه فوق الغشاء الصلب- أحس بثقل داخل وعسر معه تغميض العين فلا يمكن وترطبت العين جداً ودمعت دائماً وشخصت ولا حيلة في مثله.

.فصل في الأورام الخارجة من القحف:

قد يعرض في الحجب التي من خارج الرأس أورام حارة وباردة وقد يعرض- وخصوصاً للصبيان- علّة هي اجتماع الماء في الرأس وقد يعرض للكبار أيضاً هذه العلة وهذه العلّة هي رطوبات تحتبس بين القحف وبين الجلد أو بين الحجابين الخارجين مائية فيعرض انخفاض في ذلك الموضع من الرأس وبكاء وسهر. أما الصبيان فيعرض لهم ذلك في أكثر الأمر إذا أخطأت القابلة فغمزت الرأس ففرقته وفتحت أفواه العروق وسال إلى ما تحت الجلد دم مائي وقد يكون أخلاط أخرى غير الرطوبات المائية فإن كان لون الجلد بحاله وكان متعالياً متغمزاً مندفعاً فهو الماء في الرأس وإن كان اللون متغيراً واللمس مخالفاً وثم قوّة وامتناع على الدفع أو يحسّ بلذع ووجع فهو ورم من خارج القحف وأما في الصبيان وغيرهم إذا كان في رؤسهم ماء وأكثر ما يكون هذا للصبيان فيجب أن يتعرف هل هو كثير وهل هو مندفع من خارج إلى داخل إذا قهر فإن كان كذلك فلا يعالج وإن كان قليلاً ومستمسكاً بين الجلد والقحف فاستعمل إما شقاً واحداً في العرض وإما إن كان كثيراً شقّين متقاطعين أو ثلاثة شقوق متقاطعة إن كان أكثر وتفرغ ما فيه ثم تشد وتربط وتجعل عليه الشراب والزيت إلى ثلاثة أيام ثم تحلّ الرباط وتعالج بالمراهم والفتل إن احتجت إليها أو بالخيط والدرزان كفى ذلك ولم تحتج إلى مراهم وإن أبطأ نبات اللحم فقد أمروا بأن يُجرد العظم جرداً خفيفاً لينبت اللحم وإن كان الماء قليلاً جداً كفاك أن تحل الخلط المانع بالأضمدة.
وأما الأورام الحارة فأنت تعرف حارها وباردها باللمس واللون وبموافقة ما يصل إليه وتحسّ في كلها بألم ضاغط للقحف فإذا لمست أصبت الألم وتعالجه بأخفّ من علاج السرسام على أنك في استعمال القوي فيه آمن والحجامة تنفع فيه أكثر من الفصد قطعاً وأما عطاس الصبيان فينبغي أن تسقي المرضع ماء الشعير أو ماء سويقه إن كان بالصبي إسهال وتسقي حينئذ شيئاً من الطباشير المقلو وبزر البقلة مقلواً فإن الأسهال في هذه العلة رديء ولتجتنب المرضع التحميم ويجعل على يافوخه بنفسج مبرد.

.فصل في السبات السهري:

قد يسقيه بعض الأطباء الشخوص وليس به بل الشخوص نوع من الجمود فنقول: هذه علة سرسامية مركبة من السرسام البارد والحار لأن الورم كائن من الخلطين معاً أعني من البلغم والصفراء وسببه امتلاء ولده النهم وإكثار الأكل والشرب والسكر وقد يعتدل الخلطان وقد يغلب أحدهما فتغلب علاماته فإن غلب البلغمي سقي سباتاً سهرياً وإن غلب الصفراوي سمي سهراً سباتياً وقد يتفق في مرض واحد بالعدد أن يكون لكل واحد منهما كرة على الآخر فتارة يغلب البلغم فيفعل فيه البلغم سباتاً وثقلاً وكسلاً وتغميضاً ويشق عليه الجواب عما يخاطب به فيكون جوابه جواب متمهل متفكر.
وتارة تغلب فيه الصفراء فتفعل فيه أرقاً وهذياناً وتحديقاً متصلاً ولا تدعه يستغرق في السبات بل يكون سباته سباتاً ينبه عنه إذا نبه.
وعندما يغلب عليه البلغم يثقل السبات ويتغمّض الجفن إذا فتحه وعندما تغلب الصفراء يتنبه بسرعة إذا نبه ويهذي ويقصد الحركة ويفتح العين بلا طرف ولا تغميض بل ينجذب طرفه الأعلى كما يعرض لأصحاب السرسام ويشتهي أن يكون مستلقياً ويكون استلقاؤه غير طبيعي ويتهيّج وجهه ويميل إلى الخضرة والحمرة وعلى أنه في أغلب حالاته ينجذب جفنه إلى فوق ويغط فإذا فتح عينه فتح فتحاً كفتح أصحاب الشخوص والجمود بلا طرف وإذا نطق لم يكن لكلامه نظام ويشرق بالماء حتى إنه ربما رجع الماء من منخره وكذلك يشرق بالإحساء وهذه علامة رداءته.
وكثيراً ما يعرض فيه احتباس البول والبراز معاً أو قلتهما ويعرض له ضيق نفس وقد يشبه في كثير من أحوال اختناق الرحم ولكن الوجه يكون في اختناق الرحم بحاله ويكون سائر علامات اختناق الرحم المذكور في بابه وههنا يمكن أن يجبر فيه العليل على الكلام بشيء ما وأن يكلّف التفهم.
والمختنق رحمها لا يمكن ذلك فيها ما دامت في الاختناق وهذه العلّة تشبه ليثرغس أيضاً ولكن تفارقه بأن الوجه فيها لا يكون بحاله كما في أصحاب ليثرغس وأيضاً يعرض لهم سهر وتفتيح عين غير طارف والحمّى فيه أشدّ وتشبه قرانيطس ولكن يفارقه بأن السبات فيه أكثر والهذيان أقلّ وأما بالنبض فنبضه سريع متواتر بسبب الورم والاختلاط الحموي فيخالف نبض ليثرغس وعريض وقصير بسبب البلغم وورمه فيخالف قرانيطس وقصره لعرضه ثم هو أقوى من نبض ليثرغس وأضعف من نبض قرانيطس ويكون النبض غير متمدّد متشنّج متفاوت كما في اختناق الرحم ولا تكون القوة فيه باقية ولا خارجة عن النظم كل ذلك الخروج كما تكون في اختناق الرحم بل تكون القوّة ساقطة والنبض متواتر.
العلاج: أما العلاج المشترك فالفصد كما علمت ثم الحقن تزيد في حدّتها ولينها بقدر ما تجد عليه المادة بالعلامات المذكورة حين يتعرف هل الغالب مرة أو بلغم ويمنع الغذاء أيضاً على ما في قرانيطس وخاصة إن كان سببه إكثار الطعام وإن كان سببه إكثار الطعام قيأت المريض ونقّيت منه المعدة وإن كان سببه السكر لم يعالج البتة حتى ينقطع السكر ثم يقتصر على مرطبات رأسه ثم يعالج أخيراً بما يعالج به آخر الخمار.
وتشترك أصنافه في النطولات والضمّادات والعطوسات المذكورة والاستفراغات اللطيفة بما يشرب ويحقن مما علمت وتكون هذه الأدوية فيه لا في حدّ ما يؤمر به في قرانيطس من البرد ولا في حدّ ما يؤمر به في ليثرغس من السخونة بل تكون مركبة منهما ويغلب فيهما ما يجب بحسب ما يظهر من أن أيّ الخلطين أغلب.
وقد سبق لك في القانون جميع ما يجب أن تعمله في مثل هذا ويجب أن تجعل في نطولاته إن كانت المرّة غالبة أوراق الخلاف والبنفسج وأصول السوسن والشعير مع بابونج وإكليل الملك وشبث وربما سقيته شراب الخشخاش إن لم تخف عليه من غلبة البلغم.
والغرض في سقيه إياه هو التنويم فإن كانت المادتان متساويتين زيد فيه الشيح والمرزنجوش وإن كان البلغم غالباً زيد فيه ورق الغار والسذاب والفودنج والزوفا والجندبادستر والصعتر وكذلك الحال في الأضمدة والحقن على حسب هذا القانون ويمكنك التقاطها له من القراباذين.
وأما في آخر المرض وبعد أن تنحطّ العلّة فجنبه النطولات الباردة واقتصر على الملطّفات التي علمتها ثم حمّمه ودبره تدبير الناقهين.

.فصل في الشجّة وقطع جلد الرأس وما يجري مجراه:

التفرّق الواقع في الرأس أما في الجلد واللحم وأما في العظم موضحة أو هاشمة أو مثقلة أو سمحاقاً.
ومن السمحاق الفطرة وهو أن يبرز الحجاب إلى خارج ويرم ويسمن ويصبر كفطرة ومنها الآمة والجائفة وفيها خطر.
ويحدث في الجراحات الواصلة إلى غشاء الدماغ استرخاء في جانب الجراحة وتشتج في مقابله وإذا لم يصل القطع إلى البطون بل إلى حدّ الحجاب الرقيق كان أسلم وإذا وصل القطع إلى الدماغ ظهر حمّى وقيء مراري وليس مما يفلح إلا القليل.
وأقربه إلى السلامة ما يقع من القطع في البطنين المقدّمين إذا تدورك بسرعة فيضم.
واللذان في البطنين المؤخرين أصعب والذي في الأوسط أصعب من الذي في المؤخر وأبعد أن يرجع إلى الحالة الطبيعية إلا أن يكون قليلاً يسيراً وتقع المبادرة إلى ضمّه وإصلاحه سريعاً.
وأما العلاج فالمبادرة إلى منع الورم بما يحتمل.
فأما تفصيله فقد ذكرنا علاج الجراحة الشجيّة التي في الجلد واللحم حيث ذكرنا القروح في الكتاب الرابع وذكرنا علاج الكسِر منها في باب الكسر والجبر.
وللأطباء في كسر القحف المنقلع الذي هو المنقلة مذهبان مذهب من يميل إلى الأدوية الهادئة الساكنة الشديدة التسكين للألم ومذهب من يرى استعمال الأدوية الشديدة التجفيف ويستعملون نبعد قطع المنكسر وقلع المنقلع وجذب انكساره بالأدوية الجذابة من المراهم وغيرهما على الموضع من فوقه من خارج لطخاً من خلّ وعسل وكانت السلامة على أيدي هؤلاء المتأخرين منها أكثر منها على أيدي الأوّلين.

.المقالة الرابعة: أمراض الرأس:

وأكثر مضرتها في أفعال الحس والسياسة.

.فصل في السبات والنوم:

يقال سبات للنوم المفرط الثقيل لا لكل مفرط ثقيل ولكن لما كان ثقله في المدّة والكيفية معاً حتى تكون مدّته أطول وهيئته أقوى فيصعب الانتباه عنه وإن نبّه فالنوم منه طبيعي في مقداره وكيفيته ومنه ثقيل ومنه سبات مستغرق.
والنوم على الجملة رجوع الروح النفساني عن آلات الحسّ والحركة إلى مبدأ تتعطل معه آلاتها عن الرجوع بالفعل فيها إلا ما لا بدّ منه في بقاء الحياة وذلك في مثل آلات النفس.
والنوم الطبيعي على الإطلاق ما كان رجوعه مع غور الروح الحيواني إلى باطن لإنضاج الغذاء فيتبعه الروح النفساني كما يقع في حركات الأجسام اللطيفة الممازجة لضرورة الخلاء وما كان أيضاً للراحة وليجتمع الروح إلى نفسه ريثما يغتذي وينمى ويزداد جوهره وينال عوض ما تحلّل في اليقظة منه وقريب من هذا ما يعرض لمن شارف الإقبال من مرضه فإنه يعرض له نوم غرق فيدل على سكون مرضه لكنه لا يدِلّ في الأصحّاء على خير.
وقد يعرض أيضاً من هذا القبيل لمن استفرغ كثيراً بالدواء وذلك النوم نافع له رادّ لقوّته وقد يعرض نوم ليس طبيعياً على الإطلاق وذلك إذا كان الرجوع إلى المبدأ لفرط تحلّل من الروح لا يحتمل جوهره الانبساط لفقد زيادته على ما يكفي الأصول بسبب التحلّل الواقع من الحركة فيغور كما يكون حال التعب والرياضة القوية وذلك لاستفراغ مفرط يعرض للروح النفساني فتحرص الطبيعة على إمساك ما في جوهرها إلى أن يلحقها من الغذاء مدد.
والفرق بين هذا وبين الذي قبله كالفرق بين طلب البدن الصحيح للغذاء ليقوم بدل التحلّل الطبيعي منه وطلب البدن المدنف بالإسهال والنزف للغذاء فإن الأوّل من النومين يطلب بدل تحليل اليقظة وهو أمر طبيعي والثاني يطلب بدل تحليل التعب وهو غير طبيعي.
وقد يعرض نوم غير طبيعي على الإطلاق أيضاً وهو أن يكون رجوع الروح النفساني عن الآلات بسبب مبرّد مضادّ لجوهر الروح إما من خارج وإما من الأدوية المبرّدة فتكتسب الآلات برداً منافياً لنفوذ الروح الحيواني فيها على وجهه أو مخدراً للتصبّب الحاصل فيها من الروح النفساني يفسد المزاج الذي به يقبل القوة النفسانية عن المبدأ فيعود الباقي غائراً من الضدّ ويتبلّد عن الانبساط لبرد المزاج وهذا هو الخدر.
وقد يعرض أيضاً بسبب مرطّب للآلات مكدر لجوهر الروح سادّ لمسالكه مُرَخ لجواهر العصب والعضل إرخاء يتبعه سدد وانطباق فيكون مانعاً لنفوذ الروح لأن جوهر الروح نفسه قد غلظ وتكدر لأن الآلات قد فسدت بالرطوبة ولاسترخائها جميعاً وهذا نوم السكر.
وقريب من هذا ما يعرض بسبب التخمة وطول لبث الطعام في المعدة وهؤلاء يزول سباتهم بالقيء.
وهذان السببان هما بعينهما سبباً أكثر ما يعرض من السبات إذا استحكما وقد يجتمع البرد والرطوبة معاً في أسباب النوم إلا أن السبب المقدّم منهما حينئذ يكون هو البرد وتعينه الرطوبة كما يجتمع في السهر الحر واليبوسة ويكون السبب الحقيقي هو الحَر وتعينه اليبوسة.
وللسبات أسباب أخر من ذلك اشتداد نوائب الحمّى وإقبال الطبيعة بكنهها على العلة وانضغاطها تحت المادة فيتبعها الروح النفساني كما قيل وخصوصاً إن كانت مادة الحمّى بلغمية باردة وإنما سخنت بالعفونة.
وقد يكون لرداءة الأخلاط والبخارات المتصعّدة إلى مقدّم الدماغ من المعدة والرئة في عللهما وسائر الأعضاء.
وقد يكون من كثرة الديدان وحبّ القرع وقد يكون من انضغاط الدماغ نفسه تحت عظم القحف أو صفحه أو قشره إذا أصاب الدماغ ضربة.
وأشد البطون إسباتاً عند القطع هو أشدّها منه إسباتاً عند الضغط وقد يكون لوجع شديد من ضربة تصيب عضلات الصدغ أو على مشاركته لأذى في فم المعدة أو في الرحم فينقبض منه الدماغ وتنسدّ مسالك الروح الحساس انسداداً تعسر معه حركة الروح إلى بارز وقد يكون لشدّة ضعف الروح وتحلله فيعسر انبساطه.
ولأنّ أول الحواس التي تتعطل في النوم والسبات هو البصر والسمع فيجب أن تكون الآفة في السبات في مقدم الدماغ وبمشاركة فساد التحليل فإنه لو كان قد سلم مقدم الدماغ وإنما عرض الفساد لمؤخره لم يجب أن يصيب البصر والسمع تعطل ولم يكن نوم بل كان بطلان حركة أو لمس وحده ولكانت الحواس الأخرى بحالها كما يقع ذلك في أمراض الجمود والشخوص ولم يكن ضرر السبات بالحسّ فوق ضرره بالحركة فإنه يبطل الحس أصلاً ولا يبطل الحركة أصلاً فإنها تبقى في التنفس سليمة.
ويجب أن تكون السدة الواقعة في السبات ليست بتامّة ولا بكثيفة جداً وإلا لأضرت بالتنفس.
وكل سبات يتعلق بمزاج فهو للبرد أولاً وللرطوبة ثانياً وقد ينتقل إلى السبات من مثل ذات الجنب وذات الرئة ونحو ذلك.
ومن الناس من تكون أخلاطه ما دام جالساً منكسرة غير مؤذية فيغلبه النعاس فإذا طرح نفسه غارت الحرارة الغريزية فتثوّرت وهاجت أبخرة إلى الدماغ فلم يغشه النوم لا سيما في يابس المزاج.
وإذا كثر غشيان النوم أنفر بمرض وقيل: ماء الرمان مما يبطئ في المعدة ويحبس البخارات ويخلص من السهر.
وقد ذكرنا كيف ينبغي أن تكون هيئات المضطجع على الغذاء.
ونقول الآن: إن استعمال الاستلقاء للغذاء كثيراً يوهن الظهر ويرخيه وعلاجه استعمال الانتصاب الكثير.
والنوم في الشمس وفي القمر على الرأس مخوف منه مورث لتنخّع الدم لما يحرك من الأخلاط والخرخرة سببها انطباق فم القصبة فلا يخرج النفس إلا بضرب رطوبة.
علامات أصناف السبات: أما إذا كان السبات من برد ساذج من خارج فعلامته أن يكون بعقب برد شديد يصيب الرأس من خارج أو لبرد في داخل البدن والدماغ ولا يجد في الوجه تهيجاً ولا في الأجفان ويكون اللون إلى الخضرة والنبض متمدد إلى الصلابة مع تفاوت شديد وإن كان السبات من برد شيء مشروب من الأدوية المخدرة وهو الأفيون والبنج وأصل اليبروح وبزر اللفاح وجوز ماثل والفطر واللبن المتجبن في المعدة والكزبرة الرطبة وبزر قطونا الكثير ويستدلّ عليه بالعلامات التي نذكرها لكل واحد منها في باب السموم وبأن يكون السبات مع أعراض أخرى من اختناق وخضرة أطراف وبردها وورم لسان وتغير رائحة ويكون النبض ساقطاً نملياً ضعيفاً ليس بمتفاوت بل متواتر تواتر الدودي والنملي.
وإن كان متفاوتاً لم يكن له نظام ولا ثبات بل يعود من تفاوت إلى تواتر ومن تواتر إلى تفاوت ومن الناس من قال: إن سبات البرد الساذج أخفّ من سبات المادة الرطبة وليس ذلك بالقول السديد الصحة بل ربما كان قوياً جداً وجميع أصناف السبات الكائن عن برد الدماغ في جوهره أو لدواء مشروب فإنه يتبعه فساد في الذكر والفكر.
وأما إن كان السبات من رطوبة ساذجة فعلامته أن لا يرى علامات الدم ولا ثقل البلغم.
وأما الكائن من البلغم فيعلم ذلك من تقدم امتلاء وتخمة وكثرة شرب ولين نبض وموجية مع عرض ويعلم باستغراق السبات وثقله وبياض اللون في الوجه والعين واللسان وثقل الرأس ومن التهتج في الأجفان وبرد اللمس والتدبير المتقدم والسن والبلد وغير ذلك.
وأما الكائن عن الدم فيعلم ذلك من انتفاخ الأوداج وحمرة العينين والوجنتين وحمرة اللسان وحس الحرارة في الرأس وما أشبه ذلك مما علمت.
وإن كان الدم أو البلغم مع ذلك مجتمعاً اجتماع الأورام رأيت علامات قرانيطس أو ليثرغس أو السبات السهري.
وإن كان السبب فيه بخارات تجتمع وترتفع من البدن في حمّيات وخاصة عند وجع الرئة والورم فيها المسمى ذات الرئة والبخارات من المعدة علمت كلاً بعلاماته فإنه إن كان من المعدة تقدّمه سدر ودوار ودوي وطنين وخيالات وكان يخفّ مع الجوع ويزيد مع الامتلاء وإن كان من ناحية الرئة والصدر تقدّمه الوجع الثقيل أو الوجع في نواحي الصدر وضيق النفس والسعال وأعراض ذات الجنب وذات الرئة.
وكذلك إن كان من الكبد تقدّمه دلائل مرض في الكبد وإن كان من الرحم تقدمه علل الرحم وامتلاؤها.
والذي يكون من ضربة على الهامة أو على الصدغ فيعرف بدليله.
والفرق بين السبات وبين السكتة أن المسبوت يمكن أن يفهم وينبه وتكون حركاته أسلس من إحساسه والمسكوت معطل الحسّ والحركة.
وجملة الفرق بين المسبوت وبين المغشي عليه لضعف القلب أن نبض المسبوت أقوى وأشبه بنبض الأصحاء ونبض المغشي عليه أضعف وأصلب والغشي يقع يسيراً يسيراً مع تغير اللون إلى الصفرة وإلى مشاكلة لون الموتى وتبرد الأطراف.
وأما السبات فلا يتغير فيه لون الوجه إلا إلى ما هو أحسن ولا ينحف رقعة الوجه والأنف ولا يتغير عن سحنة النوام إلا بأدنى تهيج وانتفاخ.
والفرق بين المسبوت وبين المختنقة الرحم أن المسبوت يمكن أن يفهم ويتكلم بالتكلف والمختنقة الرحم تفهم بعسر ولا تتكلم البتة وتكون الحركة- خاصة حركت العنق والرأس والرجل- أسهل على المسبوت والحس وفتح الأجفان أسهل على المختنق رحمها ويكون اختناق الرحم سبباً يقع دفعة ويقضي سلطانه وينقضي أو يقتل.
والسبات قد يمتد ويكون الدخول في الاستغراق فيه متدرجاً ويبتدئ بنوم ثقيل إلا أن يكون سببه برداً يصيب دفعة أو دواء يشرب فيعلم علاج السبات والنوم الثقيل الكائن في الحميات: أما السبات الذي هو عرض مرض في بعض الأعضاء فطريق علاجه فصد ذلك العضو بالتدبير ليتنقى ويزول ما به ويقويه الدماغ حتى لا يقبل المادة وذلك بمثل دهن الورد والخل الكثير لئلا ينوم الدهن إذا انفرد وحده وبعصارات الفواكه المقوية وبعد ذلك النطولات المبردة ثم ينتقل إلى المحللة إن كان احتبس في الدماغ شيء وقد عرفت جميع ذلك في القانون الذي يكون في الحميات وفي ابتداء الأدوار فيجب أن يبادر إلى ربط الأطراف وتحريك العطاس دائماً وتشميم الخل وبخاره وتعريق الرأس بدهن الورد والخل الكثير أو ماء الحصرم والرمان والقوابض التي تكون لشرب المخدرات فيعالج بحسب ذلك المخدر وسقي ترياقه كما نقول في الكتاب الخامس.
وأما السبات الكائن من برد يصل من خارج فعلاجه سقي الترياق والمثروديطوس ودواء السمك وتنطيل الرأس بالمياه المطبوخ فيها سذاب وجندبيدستر وعاقر قرحا وتمريخ الرأس بدهن البان ودهن الناردين مع جندبيدستر ودهن المسك ودهن القسط مع جندبيدستر وكذلك الضمّاد المتخذ من جندبيدستر والعنصل والمسك من جندبيدستر جزءان ومن العنصل جزء ومن المسك قدر قليل ويشمم المسك دائماً ويستعمل ما قيل في تسخين مزاج وأما الكائن لغلبة الدم فيجب أن يبادر إلى الفصد من القيفال وحجامة الساق أو فصد الصافن ويستعمل الحقنة المعتدلة ويلطف الغذاء ويستعمل ماء حمص وأما الكائن لغلبة الرطوبة الساذجة التي ليست مع مادة فيجب أن يعالج بالضمادات المتخذة من جندبيدستر وفقاح الأذخر والقسط وجوز السرو والأبهل والفربيون والعاقر قرحا ويخفف الغذاء ويجتنب الأدهان والنطولات إلا بالاحتياط فإن الترطيب الذي في الأذهان ربما غلب قوة الأدوية إلا أن يكون قوياً جداً ويجب أن يستعمل تمريخ الرأس وتخميره وتشميم المسك وإن كانت الرطوبة مع مادة بلغم فيجب أن يستفرغ بالحقن القوية أولاً ويحتال له ليتقيأ وأكثر ما يكون عن بلغم في المعدة أيضاً فيجب أن تنقيه بما ينفع البلغم مما نذكره في موضعه ويستعمل النطولات المنضجة القوية والسعوطات والعطوسات والغرغرات وسائر ما علمت في القانون كما مضى لك.
ومن معالجاته أنه يسمع صاحبه ويرى ما يغمّه فإن الغمّ في أمثال هذه الأمراض التي يضعف فيها الفكر ويجمد فهو مما يحرك النفس ويرده إلى الصلاح.
ومن الأدوية المشهورة طلي المنخر بالقلقند ومسح الوجه بالخلّ وشد الأعضاء السافلة واستعمال المعطسات.